الكسابة بجهة الشرق يئنّون تحت وطأة الجفاف وغلاء الأعلاف في غياب إنصاف تنموي

يعيش الكسابة بجهة الشرق أوضاعاً صعبة ومعاناة مستمرة في ظل تحديات متعددة ومتراكمة، ازدادت حدتها خلال السنوات الأخيرة. فهذه الفئة الحيوية التي تلعب دوراً محورياً في تأمين الأمن الغذائي وتثبيت السكان في المجال القروي، تواجه اليوم أزمة مركبة تجمع بين الجفاف، وغلاء الأعلاف، وتراجع الدعم المؤسساتي، ما يجعلها في وضع هش يهدد استمرار نشاطها ومصدر رزقها الوحيد.

أولى هذه التحديات تتمثل في التغيرات المناخية القاسية التي ضربت الجهة، حيث توالت سنوات الجفاف بشكل غير مسبوق، ما أدى إلى نضوب العيون والآبار، وندرة الكلأ، وتراجع الإنتاج الفلاحي، وهو ما حرم الماشية من موردها الطبيعي وأجبر الكسابة على اللجوء إلى الأعلاف المركبة، التي بدورها شهدت ارتفاعاً صاروخياً في الأسعار، فاق قدرة الكسابة الصغار والمتوسطين على التحمل. في غياب آليات للدعم المباشر، وجد الكثير من الكسابة أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر: بيع القطيع بأبخس الأثمان أو الاستدانة بشكل مفرط لتأمين الأعلاف، ما أدى إلى تزايد حالات الإفلاس والتخلي عن النشاط بشكل نهائي.

ولا تقف الأزمة عند هذا الحد، بل تتعمق مع ضعف تدخل الدولة ومحدودية البرامج العمومية الموجهة للجهة الشرقية مقارنة مع حجم الأضرار المسجلة. ورغم الإعلان عن برامج دعم الأعلاف، فإن الإجراءات غالباً ما تصل متأخرة، وتُشوبها اختلالات على مستوى التوزيع، ما يجعل أثرها محدوداً في الميدان. إلى جانب ذلك، يعاني الكسابة من غياب بنية تحتية ملائمة لتثمين المنتوج الحيواني، ومن غياب أسواق منظمة، الأمر الذي يكرس تبعيتهم للوسطاء والسماسرة الذين يتحكمون في الأسعار ويمتصون هامش الربح.

تواجه جهة الشرق كذلك تحديات مرتبطة بالتهريب الحدودي، حيث تغرق الأسواق أحياناً بالماشية والأعلاف القادمة من الجزائر، بشكل غير قانوني، مما يخلق منافسة غير متكافئة تضر بالكساب المحلي، وتُعقد وضعه الاقتصادي أكثر. كما أن تراجع أدوار التعاونيات الفلاحية وانحسارها في عدد قليل من المبادرات المحدودة، ساهم في إضعاف قدرة الكسابة على التفاوض الجماعي، وتوسيع شبكات التوزيع أو ضمان التأطير التقني والبيطري الكافي.

ويُجمع المتتبعون على أن معالجة هذه الأزمة تستدعي رؤية استراتيجية متكاملة، تأخذ بعين الاعتبار خصوصية جهة الشرق، وتعمل على إرساء نموذج تنموي قروي منصف، يوفر للكسابة الحماية من تقلبات السوق، والدعم في فترات الأزمات، ويُعيد الاعتبار لدورهم في التنمية المحلية. فلا تنمية فلاحية ممكنة دون استقرار اجتماعي واقتصادي للكسابة الذين يشكلون العمود الفقري للعالم القروي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى