وجدة… عاصمة الشرق التي تُصارع التهميش رغم تاريخها العريق

بقلم: نوفل بومهدي

في قلب الجهة الشرقية للمملكة المغربية، تقف مدينة وجدة بشموخ تاريخها وعمقها الحضاري، لكنها في المقابل تواجه واقعا تنمويا صعبا، تزداد معه مظاهر التهميش والتراجع الاقتصادي، وكأنها خارج حسابات الدولة المركزية. هذه المدينة التي تأسست سنة 994 ميلادية على يد زيري بن عطية، شكلت لعقود طويلة نقطة تلاقٍ حضاري وتاريخي بين الشرق والغرب، وبين المغرب وعمقه المغاربي، بل وكانت حاضنة لملاحم نضالية وأحداث مفصلية في تاريخ البلاد، أبرزها دعمها للمقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، ما جعلها تستحق لقب “عاصمة الوطنية”.

ورغم موقعها الجغرافي الاستراتيجي على الحدود الجزائرية، والبنيات التحتية المهمة التي تحتضنها كجامعة محمد الأول ومطار أنجاد الدولي، إلا أن وجدة لم تنل بعد حظها الكامل من المشاريع الكبرى المهيكلة، على غرار ما شهدته جهات أخرى بالمملكة. فمعدل البطالة بين الشباب لا يزال مرتفعا، والمناطق الصناعية تعاني من ضعف الاستثمار، في حين يعيش النشاط التجاري حالة ركود خانقة بعد إغلاق الحدود مع الجزائر منذ التسعينات، دون أن يُقدّم بديل اقتصادي واضح للساكنة.

المدينة تعاني كذلك من ضعف في المرافق الثقافية والرياضية، وتراجع واضح في الخدمات العمومية، ما زاد من نزيف الهجرة نحو المدن الكبرى، أو خارج الوطن. وبالرغم من إطلاق المبادرة الملكية لتنمية الجهة الشرقية سنة 2003، والتي حملت حينها آمالاً عريضة في إنعاش الاقتصاد المحلي، فإن تأثيرها ظل محدوداً بفعل غياب رؤية مندمجة وتراكم اختلالات في التدبير المحلي.

اليوم، وجدة ليست فقط بحاجة إلى مشاريع ترقيعية، بل إلى مخطط تنموي خاص يعيد الاعتبار لها كعاصمة للشرق، ويعيد ربطها بمحيطها المغاربي والأفريقي، ويمنح شبابها فرصاً حقيقية للعيش الكريم. فمدن التاريخ لا تموت، لكنها تحتاج من يوقظ ذاكرتها وينصف حاضرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى